يعترف الروائي علي الشوك في روايته “رسالة من امرأة ليست مجهولة” كم أثّرت به وقائعها التي استمدها من رواية الكاتب الشهير ستيفان زفايغ المعنونة بنفس الإسم. فوظف وقائعها وأحداثها في رواية خاصة به يقول: “أعترف بأن هذه القصة أثّرت فيّ إلى حد كبير في البدء، لكن قراءتي الثانية لها بعد سنوات عدة لفتت نظري إلى نزعتها الميلودرامية الصارخة، مع أن هذا لم يقلل من إعجابي بها، ومن رغبتي في كتابة شيء على غرارها …
وهكذا تبدأ قصة زفايغ؛ كان الروائي الشهير في عطلة قصيرة في الجبال، ثم عاد إلى شقته في فيينا، ووجد عدداً من الرسائل في انتظاره، فتح واحدة أو اثنتين من هذه الرسائل. ثم ترك جانباً مغلفاً ثخيناً مكتوباً بخط غريب، من دون إسم المرسل وعنوانه. لكنه ما لبث أن عاد إلى هذا المغلف، فوجده أشبه بمخطوطة، وليس برسالة، وشرع بقراءته بعد أن أشعل سيكاراً …
ترى ماذا تحمل رسائل تلك المرأة المجهولة، وما فائدة قراءتها بعد طول سنين. وهل سينزل البطل من عليائه ويستجيب لحب مجهول ومجنون. أحداث مشوّقة بانتظارنا كلما توغلنا في قراءة الرواية .
..
كنت دوماً منبهرة بقوة هذا النص، بجماله اليائس، بعمقه ونضجه. هو قصة قلب ظل على أهبة الاستعداد للحب والموت، قلب لم يحده شيء كان يفنى ببراءة وإلهام، قصة قلب مشرق وهو يحكي، ويتعرى أمام رجل معشوق، حياة بأكملها. نرى الرواية تكبر أمام ناطرينا، وتتعلم الحب بكل اعتداد، بكل سرور، ثم نرى الجنون يتربص بها، ويصيبها إلى الأبد.
حينما كان فرويد والتحليل النفسي يبهران الناس كان زفايج يرسم ملاح حب مدمر يراقص الموت. فهو يقول لنا إننا لا نمتلك مطلقاً أي أحد، وإن العشق المفترس من جانب واحد يصيبنا بالجنون، ويقودنا إلى القبر..
في هذا الحب الميتافيزيقي العنيد من النقاء ما يجعله متيقظاً ممتعاً، مثل سر يهدئ من روع العاشقة وينشئها إنشاء. في هذا الحب صدى حميم يرجع في كل واحدة منها، زفرة عذبة مضنية رهيبة تقودنا إلى أشد شياطيننا انفلاتاً..
فحين لا نتعرف إلى أنفسنا لا يتعرف إلينا أحد.
(الممثلة الفرنسية إيلزا زيلبارستاين).